كانت أول زيارة لي للنمسا بدايات عام 2007م في الرابع من يناير تحديدا ، كنا قد غادرنا من محطة القطار في ميونخ إلى قرية صغيرة بالقرب من إنسبروك في النمسا حيث كنت قد إستأجرت كوخ دافىء في الريف النمساوي قضينا فيه أربعة أيام رائعة وسط الثلوج ، مازال لدينا تصوير فيديو لتلك اللحظات الأولى في حديقة الكوخ الجميلة وأنا ألعب بالثلج مع بناتي وكنا نبني رجل الثلج سوية ، كان الطفل الذي في داخلي سعيدا جدا بسعادة أطفالي ، زرنا يوما محطة التليفريك للمتزلجين القريبة من بيتنا وجربنا الصعود إلى القمة ومحاولة الهبوط منها تزلجا أنا وجود بنتي التي كانت تسعة سنوات حينها ولم نفلح في التحرك أكثر من 10 أمتار وقعنا فيها عشرة مرات ، ضحكنا كثيرا وأضطررنا للنزول بالتليفريك مرة أخرى وكنا الوحيدين الذين عادوا به ، وعدنا إلى بيتنا والبرد الثقيل على أكتافنا ، في أحد تلك الأيام الأربعة زرنا ساليزبورغ بالقطار في رحلة سريعة شاهدنا فيها مركز المدينة وكانت جميلة جدا.
في يناير مرة أخرى ولكن في عام 2015م كنت في زيارة بالسيارة لمدينة ليوبليانا عاصمة سلوفينيا وكان يجب أن أعود إلى ميونخ لأعمالي ، غادرت مبكرا من ليوبليانا خوفا من مشاكل الطريق وأحدها الزحام الشديد في طريق العودة كل يوم أحد ، توقفت في سالزبورغ Salzburg وفي وسط المدينة تحديدا ، تذكرت سوقها في وسطها القديم ، سالزبورغ مدينة شاعرية جميلة وهادئة ، أشهر أبناءها الموسيقار موتزارت ، وبيته تحول إلى متحف حاليا هناك ، تغديت في أحد المطاعم المفضلة لدي للأكلات البحرية في أوروبا وهو نوردسي Nordsee ، لديه فرع كبير في وسط سوق سالزبورغ ولديه فروع في كثير من مدن أوروبا.
في شهر مايو من نفس العام وخلال رحلة عمل أخرى لي في ميونخ ، زارتني زوجتي مشاعل ، في نهاية الأسبوع إتفقنا على زيارة "زي لا مسي" Zell am See التي سمعت عنها كثيرا ولم أرها بعد ، هي منتجع شتوي لهواة التزلج على الجليد وهي أيضا منتجع صيفي لمحبي الطبيعة الذين يودون الهدوء والريف ، قرية صغيرة على بحيرة بإسمها في وادي Zell الذي يربط بين نهرين ، لا أدري من الذي جعلها شهيرة للسياح الخليجيين والعرب ، ولكن بالتأكيد أنها أصبحت مقصدا مهما لهم منذ عدة سنوات ، يقصدها العديد من السياح العرب بادئين رحلتهم من ميونخ حيث يستأجرون سيارات تقلهم إليها ، ثم ينهون رحلتهم أيضا في ميونخ ، هي رائعة الجمال فعلا لكن محدودة الأنشطة ، أعتقد أن سبب شهرتها هي رحلات النقاهة بعد العلاج الذي يتلقاه الكثير من السياح العرب في مستشفيات ألمانيا ، ويظهر أن هناك من أستغل كثرة السياح العرب ليزيد إستثماراته في القرية الصغيرة ، فمطاعم علي بابا وسوبرماركت علي بابا وكل شيء هو علي بابا. أقمت في فندق في أعلى تلة فيها إسمه Hotel Berner Zell Am See ، فندق جميل يدار بطريقة عائلية على ما يبدو ، حصلت فيه على جناح صغير مطل على البحيرة بسعر جيد لأن الموسم لم يبدأ بعد ، نزلنا إلى القرية وتعشينا في مطعم إيطالي متوسط المستوى مع أنه كبير ومزدحم ، وظاهر أنه أفضل الموجود ، في اليوم التالي تمشينا صباحا في القرية وشاهدنا سوقها الصغير ثم باغتتنا الأمطار فرجعنا إلى السيارة وقررت أن نتمشى بالسيارة في الأرياف النمساوية ، مشينا في الطريق إلى زيل آم زيلار ثم إلى إينسبروك ، الطريق رائع وممتع في أي فصل من فصول السنة ، يوم الأحد غادرنا إلى سالزبورغ ، تمشينا قليلا في سوقها ومركزها ثم توجهنا إلى ميونخ.
فيينا كان لها ذكرى أخرى ، ففي يناير من العام اللاحق 2016م تقرر إجراء عملية لي في الكتف ، أجريت العملية في ميونخ ورافقتني مشاعل أيضا ، بعد العملية وطلب الطبيب مراجعته بعد عشرة أيام ، كانت فترة نقاهة مهمة وطلب عدم سفري بالطائرة ، قررنا الذهاب إلى فيينا التي لم أزرها سابقا رغم زياراتي للعديد من المدن النمساوية ، وغادرنا يوم السبت إلى فيينا بالقطار وفيها سكنا في فندق صغير وجميل أسمه داس تريست Hotel Das Triest على أطراف مركز المدينة من جنوبها ، فندق جميل ونظيف وغرفه جيدة المساحة والخدمة لطيفة ، غير بعيد عنه كان ناش ماركيت Naschmarkt وهو سوق كبير مفتوح عبارة عن أكشاك تعرض فيها المأكولات مما لذ وطاب ، المخللات والأجبان واللحوم والحلويات والخضار والفواكه الطازجة ، كما أن فيه العديد من المطاعم والكافيهات ، كان ملجأنا اليومي لتناول الإفطار ثم التوجه إلى وسط المدينة فيما عدا يوم واحد أفطرنا فيه في فندق السوفيتيل Hotel Sofitel Vienna Stephansdom ، فالفندق الذي يقع في الطرف الآخر من المدينة وعلى القناة المتفرعة من نهر الدانوب لديه مطعم رائع للإفطار صباحا في طابقه العلوي ، وخلال الإفطار الشهي يمكن التفرج على المدينة بالكامل.
فيينا مليئة بالمتاحف والمباني التاريخية الرائعة والحدائق الهادئة ، وبالإضافة لكونها عاصمة الموسيقى في العالم فهي مقر لعدد كبير من المنظمات العالمية منها منظمة أوبك وذلك بسبب حيادية النمسا ، فالنمسا بعد التوقيع على معاهدة فيينا سنة 1955 التي وافق على إثرها الدول الأربعة التي كانت تحتل فيينا بعد الحرب العالمية الثانية وهي الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على الإنسحاب الكامل من النمسا وكانت أهم بنود هذه الإتفاقية أن تكون النمسا دولة محايدة تماما ولا تدخل ضمن أي تحالفات عسكرية أو إقتصادية ، وذلك أيضا سبب تأخر دخول النمسا إلى الإتحاد الأوروبي ، وتاريخيا أيضا تعرف هذه المدينة بتاريخها مع الدولة العثمانية التي طرقت أبوابها وحاصرتها ولم تستطع دخولها ثم تراجعت وتقهقرت حتى حدود تركيا الحالية ، فيينا جغرافيا تقع بالقرب من عاصمتين أخريين وهما براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا التي تبعد عنها قرابة الساعة فقط بالسيارة وهناك بودابست عاصمة المجر التي تبعد في حدود الساعتين ونصف فقط ، لتشكل المنطقة التي تحتلها العواصم الثلاث إحدى أكثر المناطق سكانا في أوروبا.
من المباني الجميلة التي زرناها كنيسة كارليسكيرش Karlskirche (St. Charles's Church) وهي كنيسة كاثوليكية رومانية تقع جنوب مركز المدينة أفتتحت منذ العام 1737م ومبنية على الطراز الباروكي ، ويمكن داخلها الصعود بمصعد إلى أعلى القبة التي تتوسطها ومشاهدة المدينة من الأعلى ، وفي منتصف مركز المدينة توجد كاتدرائية سانت ستيفينز St. Stephen's Cathedral المبنية على الطراز القوطي والتي أفتتحت عام 1160م والمغطى سقفها بلوحة جميلة من الموزاييك ، وهناك مبنى البرلمان النمساوي Austrian Parliament Building الذي إنتهى بناءه عام 1861م ، وهو مبنى كبير ورائع على الطرف الغربي من مركز المدينة بقاعاته الجميلة أمام حديقة الشعب Volksgarten التي إستمتعنا بالمشي فيها أكثر من مرة وخصوصا أني كنت محتاج لهذا المشي خلال تلك الفترة ، هذه الحديقة المتصلة بحديقة أخرى هيلدينبلاتز Heldenplatz أو مكان العامة وهي مكان للعموم للجلوس فيه أمام جناح قصر هوفبرج Hofburg wing والذي يقيم فيه الرئيس النمساوي ، وفي منتصفها تمثال البرونز للدوق النمساوي تشارلز Archduke Charles statue على حصانه ، كما يوجد على الغرب قليلا بوابة الأبطال Äußeres Burgtor والتي بنيت على أنقاض سور الحصن حول فيينا والتي دمرها نابليون بعد غزوه لها ولكي يلغي أي أهمية عسكرية للمدينة في المستقبل.
خلف البوابة التذكارية توجد ساحة كبيرة إسمها ماريا ثريزين بلاتز Maria-Theresien-Platz تتوسط مبنين متطابقين تقريبا يقابلان بعضهما البعض ، الساحة والمبنين أفتتحا في العام 1889م كمتحف لمقتنيات العائلة المالكة وقتها ، التمثال الذي يتوسط الساحة لماريا ثريسا الملكة الوحيدة التي حكمت مملكة النمسا وألمانيا بين 1745 و1765 ، المبنى الشمالي متحف تاريخ الطبيعة Museum of Natural History والمبنى الجنوبي متحف الفنون الراقية Kunsthistorisches Museum ، كلا المتحفين يضمان مجموعات نادرة وجميلة ، للعائلات والأطفال فإن متحف الطبيعة يعد درسا علميا ثقافيا رائعا وهو أفضل من متحف الطبيعة في باريس أو متحف الطبيعة في نيويورك ، وفي جنوب الساحة وبعد عبور شارع Museumsplatz يوجد مبنى كبير جدا وهو ربع المتاحف MuseumsQuartier والذي كان سابقا إسطبلا للخيول الملكية وهو يحتل المرتبة السابعة بين أكبر المباني الثقافية في العالم بعد أن أصبح مجمعا للمتاحف منذ العام 1998م ، وفيه عدة متاحف من ضمنها متحف للأطفال.
على الطريق الدائري حول مركز المدينة يوجد جنوبا مبنى الأوبرا Vienna State Opera والذي يعد تحفة أخرى من تحف هذه المدينة ، خلفه بإتجاه الغرب متحف رائع في مبنى جميل وهو متحف ألبرتينا Albertina والذي يضم أكثر من 65000 قطعة فنية ، أمام المتحف وخلف دار الأوبرا مباشرة يوجد كافيه موتزارت Café Mozart أحد أجمل كافيهات فيينا وحيث لديهم نوع من الكيك Sacher Cake بإسم الفندق الذي فيه نفس المبنى وإسمه فندق ساتشر Hotel Sacher Wien أو تستطيع تجربة فطيرة التفاح الألمانية المميزة Apfel schröder ، وفي المنطقة المركزية هناك العديد من المطاعم المتنوعة من جميع المطابخ العالمية ، كما توجد مطاعم جيدة في ناش ماركيت بأسعار ممتازة.
بعد خمسة أيام قضيناها في فيينا عدنا إلى ميونخ بالقطار كما رحلنا منها ، راجعت المستشفى خلالها وقابلت الطبيب مرة أخرى وكان الوضع مطمئنا والحمدلله ، قام الطبيب بنزع الخياطة وسمح لي بالسفر والعودة إلى جدة.
في نهاية شهر مارس عدت إلى ميونخ للعمل وكنت على موعد مع والدتي العزيزة لتزورني مع أختي ، وفي نهاية أسبوع عمل إستقبلت زوجتي ثم والدتي وأختي وأتجهنا مباشرة إلى قارميش في جنوب ألمانيا ومنها بعد ليلة جميلة قضيناها فيها إلى مضينا في الطريق الجميل الرابط بين قارميش غربا بإتجاه الحدود النمساوية ثم وصولا إلى ساينت أنتون آم أرلبرج St Anton am Arlberg ، هذا الطريق جميل ومن أجمل طرقات أوروبا ، الطبيعة والبحيرات والجبال جميعها رائعة ، وهناك العديد من المطاعم والمقاهي التي تنادي القلوب المسافرة في الطريق للتوقف فيها وإرتشاف القهوة والتمتع بالطبيعة والجو الجميل ، أكملنا طريقنا غربا ثم شمالا إلى الحدود الألمانية ثانية ثم إلى لينداو Lindau الواقعة على طرف بحيرة بودينزي Bodensee والتي تتشارك فيها كل من ألمانيا والنمسا وسويسرا.
في شهر مايو 2016م كان موعدنا مرة أخرى مع #رايد_اوروبا الذي قررت البدء فيه هذا العام من المحبوبة ميونخ حيث كان اللقاء مع مجموعة من الأصدقاء للبدء في رحلة الدراجات النارية السنوية في الربيع ومغامرة جديدة ، قمت بترتيب جميع ما يختص بالرحلة كالعادة من إستئجار للدراجات النارية وحجز الفنادق وتحديد المسار.
من ميونخ بدأت رحلتنا بإتجاه قارميش حيث مررنا على البحيرة الصغيرة والجميلة بحيرة Riessersee ومن هناك بدأت الأمطار فأستعجلنا إلى فندقنا الذي كان في النمسا وفي قرية Mieming تحديدا وهو فندق Hotel Kaysers Tirolresort ، فندق ريفي رائع به ناد صحي وساونا وحمام بخار ومسبح جميل وغرفه واسعة ، وتناولنا العشاء فيه أيضا وكان عشاء بوفيه ممتاز ، والفندق يبعد فقط ساعة واحدة عن قارميش وأرخص كثيرا من فنادق قارميش ، وفي طريق عودتنا كنا توقفنا في فيلاتش Villach في النمسا وأقمنا في فندق كارنرهوف Wellness und Geniesserhotel Karnerhof الجميل والرائع على بحيرة فاكرزي Faaker See في جنوب النمسا ، في هذه المدينة تتجمع الآلاف من الدراجات النارية كل عام في مهرجان سنوي في شهر سبتمبر ، الفندق الريفي الرائع على البحيرة ملجأ هادىء ومهرب لمن يريدون الهروب من ضغوطات الحياة في مكان لا يرون فيه غير جمال الطبيعة وحسن الخدمة ومتعة المكان ، وهو بمسبح جميل مطل على الجبال الخضراء والبحيرة الرائعة وغرف واسعة كل منها بشرفة ذات إطلالة شاعرية ، تعشينا في نفس الفندق فالخروج من هذا الفندق يعتبر جناية يرتكبها الإنسان في حق نفسه ، وسهرنا في الشرفة الخارجية للمطعم ، فيالها من أمسية رائعة.
إنطلقنا في اليوم التالي غربا عبر الطريق الجبلي حتى Kötschach-Mauthen ومن هناك إتجهنا شمالا حتى Heiligenblut am Großglockner حيث بدأنا رحلة الصعود إلى جبل جروسجلوكنر Großglockner أعلى جبل في النمسا بما يقارب 3,798 متر فوق سطح البحر ، ويعد ظاهرة طبيعية رائعة وتحدي يعشقه هواة الدراجات عموما ، توقفنا وأخذنا صورا تذكارية وتذكارات من أعلى الجبل ثم بدأنا رحلة الهبوط وأكملنا إلى المدينة الصغيرة كيتزبوهل Kitzbuehel مرورا بزيلامسي Zell am See وفندق آخر جميل وهو Best Western premier kaiserhof kitzbuhel ، في هذه المدينة مهرجان سنوي للسيارات الكلاسيكية يحضره الكثير من حول العالم ويقصدها عشاق التزلج شتاء ، مركز المدينة من العصور الوسطى جميل وبه محلات عديدة للماركات الفخمة تبين نوعية السياح الذين يرتادون المدينة ، وبه أيضا العديد من المطاعم الجيدة ، وتعشينا في أحدها وهو سنترو CENTRO وكانت مضيفتنا عربية إستغربت زيارتنا وقالت أن السياح العرب هنا قليلون فهم يفضلون زيلامسي.