الصفحة الرئيسية
من أنا
مقالات أخرى
رمضان جدة
ملحوظة: أعتذر عن رداءة الصورة ، كانت أفضل ما يمكن تحقيقه بكاميرا جوالي..


ننتظر من عام إلى عام شهر رمضان الكريم ، وندعو الله أن يعيده سنوات عديدة ، وأن يكرمنا بصومه وقيامه على أحسن حال ، وأتمنى من الله أن يتقبل منا الطاعات وأن يكتبنا عنده من الصوامين القوامين.

ورمضان شهر متميز في كل أنحاء المعمورة بالنسبة للمسلمين ، إلا أنه أكثر تميزا من عام إلى عام في مدينتي الحبيبة جدة ، ففي كل عام نرى تطورات جديدة تضاف إلى مزايا جدة في شهر الصيام ، فنجد مثلا مركز تجاري جديد تقريبا في كل عام يضاف إلى عائلة مراكز جدة ، ونجد عروض مميزة من وكلاء السيارات خاصة بالشهر الكريم ، ونجد مسابقات في جميع المراكز التجارية وجوائز قيمة ، ومسابقات رياضية ينضم إليها قطاع كبير من شباب جدة ، وخطب ومواعظ في المساجد ومسابقات في تحفيظ القرآن ، وذلك بالإضافة الى كلاسيكيات جدة مثل بسطات البليلة في البلد ، والكبدة البلدي للسحور وبائعي السوبيا.

على الجانب الآخر ، تتميز جدة كل عام بمجموعة من المزايا والتي يندر إيجاد مثيل لها حول العالم ، منها على سبيل المثال الزيادة المحدودة للمركبات السائرة في طرقاتها والمشكِّلة لبعض الزحام البسيط ، والذي يحول بطريقة أتوماتيكة المشوار العادي ذا الخمسة عشرة دقيقة إلى مشوار من فئة الساعة أو أكثر قليلا ، وكلنا أمل في أن تخفف المشاريع الحالية للكباري والأنفاق من هذه الزحمة البسيطة خلال السنوات القليلة المقبلة ، مع الإعتقاد الجازم بأن جزء كبير من المشكلة يكمن في أسلوب السياقة المعتمد من قبل سائقي مدينة جدة الأشاوس والذي يمكن التعبير عنه بالحكمة القديمة "إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب".

كما أن من علامات التميز في مدينة جدة خلال رمضان مستوى النظافة فوق العادي ، تحقيقا لشعار أمانتها "نظافة جدة أمانة..فلنؤد الأمانة" ، فبما أن الدوام لدى جميع المصالح الحكومية والخاصة يعدل خلال الشهر الكريم ، نجد أن الدوام لدى فئة العاملين في "شفط البيارات" تتعدل بالطبع ، ولمن لا يعرف معنى هذه الوظيفة ممن هو من غير سكان مدينة جدة ، فوظيفة شفط البيارة تعتبر من الوظائف الخاصة بمدينة جدة والتي ليس لها نظير حول العالم ، وهي وظيفة تتعلق بسياقة نوع من المركبات المخصصة (صهريج) والمصبوغة باللون البرتقالي والمزودة بمحرك شفط والمرور على المباني لشفط مخلفات الساكنين من بئر مخصص أو من الشارع حسب حالة الطفح والحالة الصحية والنفسية للساكنين والكثافة السكانية في العمارة.

وبعد تعبئة الصهريج يتم تفريغه حسب أمانة السائق ، فأحيانا يمكن تفريغه في إحدى الحدائق العامرة في الشوارع المحيطة (ولا من شاف ولا من دري) ، أو في بحيرة تضاهي أجمل بحيرات العالم تسمى ببحيرة المسك وموقعها شرق مدينة جدة ، حيث الجو العليل والطبيعة الخلابة ، وهو حل إستثنائي وفريد لمشكلة المخلفات وتجربة إنسانية تاريخية تسجل لمدينة جدة في أسبقيتها بإنجازه.

وعودا إلى موضوع التميز ، فبتعديل دوام السادة سائقي سيارات الشفط ، تتحول شوارع مدينة جدة إلى واحات إستثنائية بعد طفح الأبيار وتكون بحيرات جميلة ترتع فيها أنواع من الكائنات الدقيقة والمجهرية ووحيدة الخلية وعديدة الخلايا ، فتسعد قلوب الأطفال حيث يصبح بإمكانهم اللعب داخل هذه البحيرات الصناعية والسباحة في حال بعدت الشقة بينهم وبين الأماكن المسموح فيها بالسباحة في كورنيش جدة والمحددة بحوالي 0.00000001% من إجمالي الكورنيش ، وقد أرفقت صورة لإحدى هذه البحيرات أمام مسجد الحي ، مع العلم بتواجد واحدة من هذه البحيرات في جميع الشوارع الموازية والمتقاطعة لإعطاء فرصة أكبر للأطفال.

إلا أنه للأسف أن هذه الواحات الجميلة تتسبب أحيانا في زيادة بعض الأمراض الخفيفة بين المواطنين والذين لم يكيفوا أنفسهم للعيش مع هذه الكائنات ، وهذا خطأ جسيم يتحمله هؤلاء المواطنون ، ومن هذه الأمراض الخفيفة أنواع من الإسهال والديزونطاريا وحمى الضنك والملاريا ، ولكن ميزة جدة الأهم أنها تحتوي على العديد من المراكز الطبية والمستشفيات التي لديها كوادر طبية مؤهلة لإستقبال أي عدد من المصابين بهذه الأمراض الخفيفة وعلاجها بأرخص التكاليف وبدون إرهاق ميزانية المواطن.

ومن المميزات التي ليس لنا يد فيها أن جدة بوابة الحرمين تحمل على عاتقها إستقبال عدد هائل من زوار المسجد الحرام من كل أصقاع المعمورة ، وكلٌ يأتي بحمله من فيروسات الانفلونزا والحمّى ويحولها إلى هدايا الى المستقبلين والذين يحملونها بدورهم إلى ذويهم ومن ثم تنتشر إنتشار النار في الهشيم فتكوّن موسما جميلا يحمل في طياته زيارات متعددة لأطباء الأنف والأذن والحنجرة ومبيعات عالية من المضادات الحيوية وحسبنا في ذلك الأجر من رب العالمين.

كما أن أعدادا "بسيطة" من هؤلاء الزائرين يتم تحويلهم الى سوق العمالة المحلية بمدينة جدة لدعم السوق ، ويحتلون وظائف عديدة من ضمنها سائقين للعائلات والشركات وعاملات منزليات وعمال مساعدون لجميع المهن الحرفية ، وهؤلاء من المؤكد أنه لا يتم قبولهم في هذه الوظائف إلا بعد الكشف الطبي واللياقي ويتم التأكد من عدم حملهم لأي أمراض وبائية معدية ، وهذا الكشف موجود لدى جميع المراكز الطبية و"بالمجان" ، وكلنا أمل بأن تسمح هيئة سوق المال لهذه الفئة من إستثمار مدخراتها في الأسهم السعودية دعما لها.

كما أن من المزايا إنتشار العمل الخيري ، ففي جميع الإشارات المرورية وأمام المراكز التجارية والمستشفيات وأي تجمع بشري بما يشمل المساجد ، تجد هؤلاء المتطوعون للعمل الخيري الذين يستحثونك على تقديم الصدقات بأسلوب مهذب ورقيق جدا ، وهذه الفئة عادة تكون من الأسر التي تحمل على عاتقها هذه المسئولية الفذة بجميع عناصرها ، فالأب يحمل أحد الأطفال الى داخل المساجد ملقيا خطبة عصماء عقب كل صلاة يذكر فيها بأهمية المساعدة ، والأم مع الأطفال خارج المسجد أو المركز متلقفين أي زائر بإصرار للتبرع بما تجود به النفس خلال الشهر الكريم ، ويلحظ على الأطفال تعليمهم أناشيد جميلة يرددونها بلحن مستمر وعذب من مثل "أديني ريال الله يخليك ، يارب يصير عندك أولاد ، يارب يخليك أديني ريال".

وقد إنتشرت عادة جميلة في الفترة الأخيرة وهي المسماة بالخُطّيفة (بتشديد الطاء مع كسرها) ، وهي مسابقة بين بعض الشباب النادرين لخطف أكبر عدد ممكن من الحقائب النسائية والجوالات بإستخدام دراجة نارية ، وهذه العادة تساعد المواطنين على التدرب على الأخذ بالحيطة والحذر في حالة سفرهم للخارج ، ويمكن بسهولة إستعادة أي متعلقات مخطوفة عبر زيارة سريعة لسوق الصواريخ أو سوق الجوالات المستخدمة بشارع فلسطين ، أو التوكل على الله وإعتبار المخطوفات جائزة للخطافين جزاهم الله خيرا.

وأختم بأن أدعو الله أن يمدنا بالعافية والعمر لنرى المزيد من المزايا المميزة لمدينة جدة ، وكل عام وأنتم بخير.



حسام عابد أندجاني

في 27 رمضان 1429هـ
في 27 سبتمبر 2008م