الصفحة الرئيسية
من أنا
مقالات أخرى
لن أعيش في جلباب أحد
بداية أريد أن أؤكد أنني في جميع كتاباتي وأرائي لا أفرض رأيا على أحد ، إنما هي مجموعة من الأراء والأفكار والخبرات التي أنعم الله بها علي ووهبني الكتابة عنها ، وإنما سردها بهدف نقل علمي وخبراتي إلى من يهتم ، وهي أمانة أجدها في عنقي وأجدها في قوله تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} ، وكل إنسان له الحق الكامل في أن يختار ويقرر ما يراه صالحا له ، فكما وهبني الله حق الإختيار فقد وهبه لمليارات البشرغيري ، حتى أبنائي لم أسلبهم حق الإختيار ، فكما يقول جبران خليل جبران "أبناءكم ليسوا أبناءكم ، أبناءكم هم أبناء الحياة" ، فقد تركت لهم ما يختارونه منذ صغرهم لأمورهم بقدر ما تستطيع عقولهم إستيعابه وعلي النصح والإرشاد وعلى الله هدايتهم

وإيماني بأن الله قد ميز البشر عن غيرهم من المخلوقات بأن لهم الحق في الإختيار ، ونعمة العقل هي نعمة حق الإختيار ، فالتجربة العلمية على الحيوانات أكدت أنهم يتعلمون من التجارب ويكتسبون الخبرات ، إلا أنهم لا يملكون حق الرأي والإختيار ، وإلى حد علمي أنني لم أر أسدا إختار أن يتحول نباتيا! ورغم أن بعض الحيوانات تختار شريك حياتها المناسب لنطفها إلا أنها لا تملك أن تختار من غير قطيعها

والخالق العلي سبحانه وتعالى لا يحاسب عبيده على أفعالهم إذا لم يمنحهم حق الإختيار ، ولو شاء ربنا أن يهدي الناس جميعا فلن يرهقه سبحانه ذلك ولن تكون أكثر من "كن" فيكون كلٌ في سراط مستقيم ، إنما ترك لهم حق الخيار وأرسل إليهم رسله - من رحمته بهم - ليدعوا إليه ويبينوا الجنة والنار ومسبباتهما ، فمن إختار الطريق القويم يسره له ومن عصى فعلى الله حسابه

وإيماني بأن الله لم يمنح بعض البشر هذا الحق ويمنعه عن غيرهم ، وإلا فكان أورد الحساب والعذاب لصنف واحد من البشر ، إنما يقول الحق سبحانه في سورة الأحزاب: { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)} ويقول في سورة الفتح: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)} ، فالذكر والأنثى متساويين في الإختيار ومتساويين في الإيمان والكفر ، ولن يكون عذاب مشركة بأقل من مشرك إلا برحمة ربي ، وأكثر ما يسيئني أن أجد من يلزم رأيه علي ، فإما جلبابه أو أبقى عاريا ، وإما قبول رأيه أو أني خارج من رحمة الله وكأنها بيده ، ولو أراد الله عز وجل منحها لأحد لمنحها لحبيبه وخير خلقه جميعا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

وأعظم الأسى أن تعيش في مجتمع يسلب حق الإختيار منك ، مجتمع "يشخصن" الرأي في أشخاص محددين ويعتمد أرائهم كأنها كلمات منزلات من رب العالمين ، ثم يتصرف على أساس أن لا رأي إلا هذا الرأي ، وقد مرت في التاريخ البشري العديد من مثل هذه المجتمعات ولعل أشهرها فترة العصور الوسطى عندما كان الحكم في كل أمرٍ للكنيسة التي لم تقبل يوما بحقيقة كروية الأرض وحكمت على معلنها بالهرطقة والمقصلة إن لم يعد عن رأيه

في مثل هذه المجتمعات يتربى الفرد منذ نعومة أظافره على أنه مسيَّر ، ليس له رأي ولا أهمية لرأيه ، يتربى على التقليد في كل شيء ، يقال له هذا طعامك وهذا رداءك وهذا علمك ، يطغى فيه صنف من البشر على الصنف الآخر في كل شيء ، وتسحب حقوق الصنف البشري الآخر بحجج الضرر للصنف الأول والضرر على نفسه ، لا يحق فيه لأحد أن يعترض ، فالإعتراض من سنن المخالفين الخارجين عن إيمانيات المجتمع ، وتسن فيه الأنظمة بأمزجة وأراء مجموعة تظن أنها المجموعة الوحيدة السائرة على الهدى! فيبقى هذا المجتمع كئيبا منكفئا على نفسه ، لا يظهر منه صاحب إبداع واحد ، بل أن الإبداع فيه هو نوع من الفتنة المستوجبة للقتل

العالِم في مثل هذا المجتمع هو من نقل عن سابقيه فلا زيادة ولا نقصان ، والأعظم علما هو من ضيق على مجتمعه وضبط أمور أتباعه لكي لا ينحازوا إلى فكر آخر ، بل لكي لا يجرأوا على التفكير ، فالمسألة الأُولى والأَوْلى (بضم الهمزة في الأولى وفتحها في الثانية) هي في ضبط الأتباع والإنقياد التام وعدم الخروج عن الجماعة وهكذا ينتظم القطيع ، موجهوا المجتمع وكبرائه لا يجوز عصيانهم بأي طريق كان ، ولهم حق إصدار الأنظمة والقوانين ، وتجب طاعتهم حتى لو كانت أحكامهم فيها خروج عن منطق ودستور المجتمع ، فهم أعلم بكل الأمور والقطيع لا يعلم مصلحته! وبينهم وبين الخالق صلة لا يعلمها إلا هو

في مثل هذه المجتمعات يحرم الفن بكل أشكاله وألوانه ، ويصطبغ كل شيء بمسمى المجتمع ودستور المجتمع ، فالعلم هو العلم الدستوري ، والطب هو الطب الدستوري ، والهندسة هي هندسة دستورية! وتنتشر في مثل هذا المجتمع أفكار عن القوى الخفية والعالم السفلي الذي لا يعلم عنه ولا يصد قواه إلا الفئة الموجهة للمجتمع ، فهم بعلمهم وقواهم التي أستودعها عندهم الخالق عز وجل قادرون على صد كل الشرور عن المجتمع ، ويبقى المجتمع غافلا مسيرا مصدقا لكل الخرافات التي تنتشر في عروقه

أنظر أخي القاريء – لا صرف الله لك نظرا إلا للحق - إلى الصين في عهد ماوتسي تونج ، أو أنظر إلى الإتحاد السوفيتي في عهد ستالين ولينين ، وأنظر إلى حال كوريا الشمالية ، والأمثلة التاريخية كثيرة لا تحصى لمثل هذه المجتمعات



كتبه العبد الفقير لله / حسام عابد أندجاني

في 27 أكتوبر 2010م
في 19 ذو القعدة 1431هـ