الصفحة الرئيسية
من أنا
مقالات أخرى
الحكيم .. والمشجع
قال لي الرجل الحكيم مرةً: "يا بني ، صحيح أننا نلعب الورق (الكوتشينة) ونضيع به وقتنا ، وصحيح انها مجرد لعبة ، ولكن أسلوب لعبك يظهر كثيرا من شخصيتك ، والذكي الذي يكتشف معادن الناس من لعبهم" ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته ، عندما طبقت كلامه وجدته صحيح ، لا أقول مطلقا فلكل قاعدة شواذ ولست قارئاً لما أخفاه الله ، ولكن على الأغلب ، وعلمتني الحياة ان اطبِّق ذلك القياس على أمور أخرى كثيرة فتعلمت خبرات كثيرة في نفوس الناس وأخلاقهم ونفسياتهم

انا مشجع للكرة منذ صغري ، لا أدري متى كانت اول مباراة شاهدتها ولا أدري متى أول مرة هتفت لفريقي ، ولكنني نشأت في عائلة فيها الكثير من المشجعين وبتعصب لفريق واحد ، وطوال نشأتي كان الولاء للنادي مسبّقا للولاء لأي شيء آخر ، ولم تكن تلك حال عائلتنا فقط ، بل كل العائلات التي نعرفها ، ويكون الغريب حقا ان تجد شخصا يقول لك انا لا أشجع كرة القدم او لا اشجع فريقا ، فكأنك ترى ملحدا بين مجموعة من المؤمنين! ثم تزوجت من عائلة بها الكثير من المتعصبين لفريق منافس ، والحمدلله ان مسألة تشجيعي لم تؤثر على زيجتي وقبولي وعلاقتي بأرحامي

منذ سنوات عدة بردت عندي حدة التشجيع ، لنقل انها تمت بعد مراجعة نفسية ساءلت فيها نفسي ماهو المهم؟ وما هو الأهم؟ وأكتشفت ان الأهم هو عائلتي وأصدقائي وأرحامي وزملائي ، الأهم هو نشر الحب والود بدلا من السباب والشتائم ، الأهم هو أخذ العبرة بالرياضة بدلا من ان تكون سببا لضيق نفسي ومَرَضي ، الأهم هو مساحة الوقت التي أقضيها في عمل يفيد نفسي ووطني ، الأهم ان اكون عادلا في حكمي على فريقي والفريق المنافس ، الأهم ان اتمتع بالحياة أشاهدها بجمالياتها بدلا من مساحة الكُرْه والغضب على مالا ينفعني ، الأهم ان اجد بيني وبين الآخر ما نشترك فيه بدلا من ان اجد ما ينفرنا من بعضنا

مازلت أشجع فريقي ، ومازلت أتحمس جدا وقت المباراة التي أشاهدها فقط اذا لم أجد شيئا آخر أقضي فيه وقتي ، ولذلك أصبح كل ما أشاهده خلال موسم كامل لا يتجاوز عدد أصابع اليد ، ومازلت أطرب وأنا أسمع مشجعي ناديي وهم يغنون ويحتفلون مع الفوز وخلال المباريات ، ومازلت أمازح الآخرين أحيانا في فرقهم ، ولكن كل شيء من ذلك بطعم آخر وبحدود لا أتجاوزها

اليوم أشاهد الكثير من هؤلاء الذين أعماهم تعصبهم ليروا أي معاني جميلة أخرى ، أراهم يتبادلون الشتائم والإهانات والخلافات ، كلٌ منهم يدافع عن فريقه بقدر او حتى بأكثر مما قد يدافع عن بيته! لم أعد أتناقش معهم في قناعاتهم إلا بالقدر الضئيل ، وأسكت معهم أكثر الوقت فلا أتحدث إلا إذا تغير الموضوع ، أشاهدهم فأقرأ شخصياتهم ، وأستوعب كلام ذلك الحكيم واستغفر له ولنفسي ولهم ، وأحمد الله أن علمني أن أخفي سوأتي فلا أظهرها علنا أمام خلقه بتشجيع لا يضرني ولا ينفعني

...شغلنا الله وإياكم فيما يحب ربنا ويرضى



حسام عابد أندجاني

في 23 مارس 2016م
في 2 جمادى الآخرة 1436 هـ