الصفحة الرئيسية
من أنا
مقالات أخرى
!!انتظروا .. لم يحن وقت الاحتفال
أليس من الجميل أن تمنح موافقة على مشروع قضيت عمرك تحلم به ؟ أليس من الجميل أن تجد المال الذي تحتاجه لعمل عملية جراحية تحتاجها؟ ولكن لن يكتمل جمال هذا الخبر إلا بتمام المشروع ونجاحه أو انتهاء العملية بسلامة المريض ، والاحتفال قبل ذلك لن يكون احتفالا مكتملا ، لأننا لا نضمن النجاح ، والضامن الله. نحن حقا نود الاحتفال بدخولنا إلى العالم المتحضر ببناء جامعة من الصف العالمي الأول ، ونحن حقا نود الاحتفال بالنقلة النوعية التي تمر بها بلادنا ، ولكن لن يحق لنا الاحتفال إلا بعد تمام المهمة وانجازها والنجاح في الاستمرار. ولدخول هذا العالم لا يكفينا بناء جامعة ، كما انه لا يكفي بناء مستشفى متطور بدون أطباء ، أو شراء طائرة بدون طيار! نحن نحتاج إلى منظومة متكاملة تعمل لنجاح هذه الجامعة ، ومجتمع واعي ومتقبل ، وأنظمة داعمة. أن نبني جامعة لننطلق بها في الآفاق ونحن مازلنا نمنع الناس من القراءة ، فذلك حقا غريب ، وأن ندعو الناس من أصقاع الأرض ليزورونا في جامعتنا ونحن ندعو عليهم بكل ما أنزل الله من البلاء ليل نهار ، فذلك أيضا غريب ، وأن نطالِب بالدخول في العالم المتقدم ونحن نتغنى بخصوصية مجتمعنا في كل شيء ، فذلك من العجب العجيب! موقف بسيط حصل لي شخصيا في المطار البارحة ، وصلت من رحلة إلى إحدى الدول المجاورة التي أحرص على زيارة عدد من المكتبات فيها لشراء الكتب لرخص السعر بالمقارنة بالأسعار لدينا ، وهذا ما أعتدت عليه منذ أكثر من عشرون عاما ، موظف الجمرك نظر لي بنظرة كلها تجهم عندما علم أن بعض محتويات حقيبتي فيها كتب ، وبعد التفتيش وتفضل موظف الإعلام المنتهي وقت دوامه بالنظر إلى عناوين الكتب ، منع منها اثنين وسمح متفضلا بالباقي ، دون حتى أن ينظر ما فيها! وما السبب؟ أن الكتب الباقية كانت عبارة عن مجلدات مغلفة جلديا كالكتب الدينية لدينا ، أما الكتابين الذين منعهما فأحدهما رواية لكاتب جديد وحسب روايته فالمؤلف عليه "نظر" من قبل وزارة الإعلام! أما الكتاب الثاني فكتاب ذو فلسفة دينية نقدية لمذهب الشافعي. السؤال: لماذا أمنع من إدخال كتاب نسخة واحدة للقراءة الشخصية إذا لم يكن بمحتواه أمور تتعلق بالسياسة أو صور جنسية فاضحة أو كفر صريح! موظف الإعلام علق علي بقوله أنه وجد في أحد الأسواق كتاب وجد في داخله كلمة "علي عليه السلام" ، مما استدعاه لاستصدار أمر بسحب الكتاب من السوق! أنا لا أدافع عن مذهب بعينه هنا ولكن أدافع عن حرية القراءة ، إذا منعنا من قراءة فكر الآخر فلن نستطيع الحديث معه أو إقناعه بما نعتقد ونؤمن به. أتاني أحد الموظفين في المطار ناظرا لي كمن ينظر إلى كافر يعبد وثنه أمامه ليعلق علي "ياأخي ماتدري أن الشيخ الشافعي له فضل على كل أهل مصر بفقهه؟؟" ، سبحان الله ، أنا الجاهل الذي لا يدري رددت عليه وقلت "يا أخي الكريم: كل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر (صلى الله عليه وسلم)" ، المهم أن الكتب دخلت إلى البحث والتدقيق وطلب مني المراجعة ، ولأني أكره حقا أن أراجع لأي موضوع فقد تنازلت تماما عن الكتابين ووهبتهما لمحرقة ومستودعات وزارة الإعلام الموقرة. وللملاحظة فقط: فإنني أتذكر في الزمان الغابر أنني أتيت ببعض الكتب من الخارج مما كان يعتبر ممنوعا هنا "مثل روايات أمين معلوف ورواية بنات الرياض" ثم وجدتها جميعها بعد ذلك في مكاتبنا الموقرة تباع علنا! أليس غريبا أن يحوط على الفكر الذي نقرأه؟ أليس بإمكان أي منا أن يتحصل على أي من هذه الكتب عن طريق الإنترنت؟ أليس بإمكاني شراء هذه الكتب وقراءتها في الخارج ثم التخلص منها هناك؟ أهذا ما تتمناه علينا الوزارة الموقرة؟ أتمنى أن أحصل فقط على نظام يبين لي ما هو مسموح لي بقراءته ، يعني أن تتكرم علينا الوزارة بإصدار لائحة تنظيمية تقول ما هو المسموح وما هو الممنوع قراءته ، وان تتكرم بطباعتها بكتيب إرشادي يوزع على المسافرين للخارج ، أو أن تعرضها على الانترنت حتى يمكننا إتباعها ، أو أن تصدر قرارا بمنع أي كتاب لا يباع داخل المملكة ، وبالتالي يمنع أي من مواطنينا بقراءة أي كتاب خارج البلد! ويشمل هذا المنع مبتعثينا للخارج حتى لا يعودوا بأدمغة مغسولة بكتب ليس مسموح بها! أنا مع الموظفين الكرام والوزارة الكريمة بمنع ما يسيء إلى البلد ، أو ما يحتوي على صور مخلة بالآداب ، أو أن تكون الكتب بنسخ كثيرة مما يعني أنها ليست للاستخدام الشخصي ، أما أن يمنع عدد واحد كتاب لعدد واحد مسافر في طائرة واحدة! أنا أكاد أجزم بأنني الراكب الوحيد الذي حمل معه كتبا في تلك الرحلة. أحد الزملاء سافر الصين في مهمة عمل للحصول على أحدث الكتب في مجال الديكور والتصاميم الفنية ، عند عودته محملا بأكثر من 400 كتاب وكل كتاب يحتوي على أكثر من 2000 صفحة وفي كل صفحة أكثر من 500 تصميم ، لم يستطع إدخالها رغم كل محاولاته لإقناع الموظفين أنها لاستخدام العمل إلا بعد مراجعتها صفحة صفحة!! وبعد أن تمت مراجعتها بالفعل حصل عليها وقد مزقت بعض الصفحات بسبب وجود صورة عارية من ضمنها ، المهم أن هذه الصورة من المقاس الذي يحتاج إلى مجهر لمراجعة تفاصيله وأن جميع الكتب مرفقة بسي دي فيه جميع الصور!! يجب قبل الاحتفال أن ننجح ، والنجاح أن يكون من خريجي هذه الجامعة بعض من مواطني بلادنا ، ومن مدرسيها وعلماءها أيضا ، وأن تكون جميع جامعاتنا مؤهلة لتخريج من يستحق بالدراسة في هذه الجامعة ، وأن يعي المجتمع أهمية العلم وأهمية من يدرس بهذه الجامعة ، وان نعترف بأننا جزء من كل ولسنا الكل في الكل ، وأن العالم أصبح حقيقة مسطحا – على حد قول توماس فريدمان - ، يجب أن يعي جندي المرور والجوازات أن الذي أمامه بلبس جنوب آسيوي قد يكون من أجلّ علماء هذه الجامعة وليس سواقاً للتاكسي (مع الاعتذار لسائقي التكاسي)!



حسام عابد أندجاني

في 29 أكتوبر 2007م
في 18 شوال 1428هـ