بن لادن .. نقاش هادىء بعد العاصفة
هل قُتل حقا أم مازال يرتع في إحدى الإستراحات التي لا يعرف لها طريق في أمريكا أو أفغانستان أو في أي مكان آخر؟ هل كان تحت الحماية حتى إحترق "كرته" وحدد توقيت معين لتصفيته؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ لماذا لم تعرض جثته؟ ولماذا قتل بعد التمكن منه حيا حسب رواية إبنته؟ أهو سيناريو مكتوب وتم تنفيذه كما تم تنفيذ سيناريوهات أخرى من قبل القوات الأمريكية والمخابرات الأمريكية؟
هل يستطيع أيٌ كان أن يقنعني بأنه طوال العشر سنوات الأخيرة لم تبعث المخابرات الباكستانية رجالا يحومون في القرى فيلاحظون بيتا مهيبا في قرية صغيرة ليس بها أعلى من هذا البيت ، ولا يستفسرون عن ساكنيه ، هل من المعقول أن تسقط قرية آبوت أباد من حسابات المخابرات الباكستانية والأمريكية والشرطة والتجار والسكان ، هل تم إسكات السكان جميعا في تلك القرية أم جميعهم متواطئون أم أنهم أيضا أصابتهم الغفلة فلم يسألوا عن ساكن البيت الغريب؟ أليس منهم طامع واحد في الجائزة الكبيرة للإبلاغ عنه؟
إذا كان سيناريو مكتوب ، ألم يجدر بالمخابرات أن تجد سيناريو أفضل من هذا الذي قُدم ، ألم يجدر بها التحضير لمشاهد درامية وصور فوتوغرافية مقنعة للعالم؟ لماذا لم يحبك كاتب السيناريو الفصل الأخير بطريقة درامية أكثر إقناعا؟ هناك إحتمال أنه توفي قبل تصوير المشهد الأخير وبالتالي تم إستعجال النهاية البطولية المرسومة مسبقا ، الله أعلم.
لماذا لم تنشر أي من الوثائق الأمريكية المفضوحة عبر ويكليكس أي من هذه المعلومات؟ كيف تستطيع المخابرات الأمريكية إخفاء الموضوع عن الأعين طوال فترة العشرة سنوات بعيدا عن أعين المخابرات الأخرى الصديقة والعدوة؟ الموضوع في إجماله مريب حقا ، والنهاية مريبة ومرتبكة وغير مقنعة للجمهور الكبير المتابع للحدث منذ سنوات عديدة ، قد تكون مؤامرة من نوعية الروايات التي يكتبها دان براون كم كان كتابه "حقيقة الخديعة" ، وقد يبعث الله لنا ويكليكس آخر بعد عدة سنوات ليفضح ما خبىء بين السطور وما رأته أعيننا
ولنأخذ الأمر ببيانه ونقول أنه رحل ، ميتا أو مقتولا ، مكفنا ومصلا عليه أم مرميا بالأثقال إلى قاع بحر لا يعلم مكانه إلا الله ، فنقول رحمه الله وغفر له إذا كان الدعاء بالرحمة واجب علينا لكل مسلم ، والأدعى أن ندعو للمسلمين جميعا بالرحمة والبركات والغفران ، وخاصة من ذهب دمه كضحية لأفكار الرجل وتوجه عصبته ، ولمن ذهب فداء للوطن ، ولمن قتل على أيدي القوات الأجنبية التي كان هو المحرض الأساسي لها ، وللأطفال والرجال والنساء والعجائز الذين قتلوا في حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ، إنما كانوا في مواجهة جيش لا يرحم ، ودفعوا من قبل جهل أعظم
إن الأدعى الآن أن ندرس الأسباب التي عظّمت بن لادن والتي ساعدت على ظهوره ، لكي نمنع ظهور مثله في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى ، ونحارب التبعية التي تسلك سلوكه وتمجد فكره بل لاتقبل النقاش في منطقه وأسلوبه ، وترفع درجته ليكون شيخا مجاهدا صالحا مقاتلا ، وأوصاف أخرى عديدة لم ينزل الله بها من سلطان
إن كان هناك نجاح ينسب إلى الرجل ، فهو نجاحه في أن ينشر فكره ويسوق له بين فئات عديدة داخل المجتمع المسلم ، وإنتماء هذا الفكر وتبنيه للفكر الديني هو مسوق قوي لتأييد هذا الفكر من قبل شريحة واسعة من المجتمع وجالب لعاطفتهم ، وعامل مساعد لنشر هذا الفكر على مستوى العالم الإسلامي بدون حصره على الدول العربية ، والظاهر أن هناك إستمرار لتجاهل العديد من الحكومات للأسباب الحقيقية وإهتمامها فقط بمحاربة العمليات الإرهابية ، الفكر يجب أن يقابل بفكر آخر ، مساوى له في القوة ومعاكس في الإتجاه ، إن أردتم سلاما دائما فيجب أن يحارب الفكر بفكر آخر مقنع ومشفي للأمراض النفسية العديدة التي تولدت لدى المواطن العربي ، يجب أن يستشعر المواطن الثقة الحقيقية في حكومته ، ولا يكون ذلك بالظهور الصاخب لوزراء الحكومات في وسائل الإعلام ، إنما بالمشاركة الحقيقية للشعب في القرارات ومحاربة الفساد المتنامي في الحكومات
إن الأساس في محاربة الفكر الضال هو بأن يحل فكر مضاد مكانه ، فإن كان الفكر المضاد ناقصا فلن يحل محله بل سيهزم شر هزيمة ، والفكر السوي لا ينشأ بالأمر أو الإجبار ، إنما ينشأ تحت مظلة الحرية والمساواة بين طبقات المجتمع والعدالة بين أفراده ، لا ينشأ الفكر بالمعتقلات وبالمداهنة المذمومة والنفاق ، إنما ينشأ بالإحترام والمشاركة ، لا ينشأ الفكر بدفع الأموال ، إنما ينشأ بوجود قاعدة راسخة لهذا الفكر
شخصيا ، أنا أختلف مع فكر بن لادن تماما ، وسوف أظل أختلف مع أي فكر يجيز قتل إنسان واحد بدون حق ، وأختلف مع أي فكر يدعم الدمار بدلا عن دعم الأمل والبناء والإستقرار ، لقد قلت مرارا أن المبالغ التي إستثمرها ودعم بها بن لادن الأعمال الإرهابية كانت ستخدم الإسلام والمسلمين أضعافا مضاعفة لو صرفت في بناء مستشفيات ومدارس وجامعات ، وليست العبرة بأن يترك الإنسان غنىً رزقه الله به ليظهر أنه يعيش في الجبال والكهوف ، العبرة بأن يصرف مالديه في أعمال خير ، وهناك مثال حي مقابل هو الدكتور عبد الرحمن السميط ، الذي ترك حياة الرغد لحياة الدعوة في أوساط القبائل الأفريقية ، يعمل في صمت وبعيد عن الأضواء وفي إحياء الأنفس بدل قتلها
إن بن لادن ليس سوى شخص عرف المدخل الرئيس لشبابكم ، فهل بحثتم أنتم عن هذا المدخل وحققتم أفضل مما حقق؟ هذا هو السؤال المهم الذي أود أن أطرحه على مؤتمر القمة العربي القادم
كتبه العبد الفقير لله / حسام عابد أندجاني
في 11 جمادى الآخرة 1432هـ