ننادي وننشغل بالمقاطعة ، في كل مكان تذهب إليه تذكرك لوحات وكتابات على السيارات وفي البقالات وأماكن التسوق وحتى محلات غسيل السيارات ، بأننا مقاطعون من الصميم ، ويمتد ذلك إلى الرسائل التي تذكرك ببكاء السفراء وعويل الرؤساء بما وصل إليه حالهم بعد مقاطعتك أيها المستهلك المسلم لكل منتجاتهم ، وكل من يتحدث بغير ذلك فهو من المحبطين ، الذين لا يهتمون بأمر هذا الدين ، ولا يعون أهمية المفكرين الجهابذة ، الذين أمروا بالمقاطعة ، وسعوا للجهاد الاقتصادي ، وقد ينبذ من الدين ، ويحرم من دخول مساجد المسلمين ، ويودع مستشفى المجانين.
الدنمارك ، هذه الدولة الكافرة في عيون المسلمين ، تنتج الإنسولين ، وهي المادة الدوائية التي يحتاج لها معظم مرضى السكري في العالم ، وبما أننا جزء من هذا العالم ، وبما أن لدينا 25% من الشعب تقريبا مصاب بالسكري فقط في بلدنا هنا ، فيجب أن نختار بين مقاطعة الدنمارك أو قتل هؤلاء وكل من يصاب بالسكري بعد ذلك لأجل عيون المقاطعة! شعب الدنمارك هو أكثر الشعوب سعادة ، ومن أقل الدول فسادا ، وفيها نسبة جيدة من اللاجئين العراقيين الذين لم تستطع دولنا الإسلامية قبولهم في أراضيها ، ومعظم هؤلاء من المسلمين.
هل حقيقة أن المقاطعة تأتي ثمارها؟ وهل تأثرت الدنمارك بمقاطعة المسلمين؟ في اعتقادي أن المتأثر الوحيد هم المنتجون المحليون والمنتجون من الدول الأخرى الذين استثمروا المقاطعة لزيادة مبيعاتهم ، وإذا كانت الدنمارك قد تأثرت حقا ، لصبت حكومتها جل غضبها على جرائدها وغيرت موقفها منذ المقاطعة الأولى ، إلا أنها قد أصرت على موقفها بعدم التدخل حتى بعدما قررت جميع جرائد البلد بنشر الصور.
ويبدأ الموضوع ولا ينتهي ، ولا ندري حقا ما هي بدايته ، ومن هو المستفيد حقا من استمرار الحرب النفسية على المسلمين ، ومن هو صاحب الرأي بإثارة الموضوع وإشغال العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه برسام خائب يعمل في جريدة خائبة في بلد لم يسمع عنه أغلب المسلمين إلا بعد الرسومات ، وأتحدى إن كان نصف هؤلاء المتظاهرين والحارقين للأعلام ، إن كانوا يستطيعون تحديد موقع الدنمارك في خريطة صامتة!
ولماذا فقط الدنمارك؟ هل كل همنا هو الرسوم المسيئة؟ أم هو الاهتمام بكل ما يسيء للإسلام؟ دعوني أفرح أصحاب الفكر "المقاطعي" ، عضو البرلمان الهولندي عرض الفيلم المسيء للإسلام رغم اعتراض معظم وزراء حكومته ، لا لخوفهم من المقاطعة ، ولكن لخوفهم من المنتج الإسلامي المصدر إلى جميع دول العالم ، والمسجل بملكية كاملة لا يحق بموجبها أن يقوم أي شعب آخر باستخدامه بدون موافقة خطية ورسمية من الجماعات الإرهابية ، وهو الإرهاب ، وقد عرض الفيلم في موقع يوتيوب وأجزم بأن أكثر مشاهديه من المسلمين ، ورغم ذلك فإننا ندعو لبدء مقاطعة هولندا على جميع الأصعدة.
ولماذا نسينا بريطانيا العظمى ، حامية الكاتب الخبيث سلمان رشدي وناشرة كتبه ، ألم تكن كتبه تتطاول على شخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، فلماذا نسينا مقاطعتها؟ يجب أن تطبق المقاطعة على بريطانيا أيضا ، وجميع ما يتبع لتاج ملكتها من الدول مثل أستراليا وكندا وأيرلندا ، وجزر الفوكلاند.
ثم فلنتذكر أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قد منع الحجاب والمظاهر الدينية من المدارس في فرنسا ، ونبدأ بمقاطعة فرنسا ، وبما أن أسبانيا قد أهانت مساجدنا التي بنيناها في أراضيها وحولتها إلى كنائس ومنعتنا من الصلاة فيها ، بل وفتحت محاكم تفتيش تحاكم أيما كان لا يؤمن بالديانة المسيحية وتحكم عليه بالقتل ، فلنقاطعها! ولنقاطع أمريكا ، الشيطان الأكبر ، الذي أحتل أراضي المسلمين في أفغانستان والعراق (بدون ذكر قطر والبحرين والكويت و....) ، والداعم الرئيسي لإسرائيل ، ثم لنقاطع روسيا ، فهي من أهدرت الدم الإسلامي في الشيشان وأعدمت الملايين من المسلمين في الجمهوريات المسلمة أيام لينين وستالين ، ومازالت أراضي المسلمين تحت أيديها الغاشمة ، ولنقاطع الهند التي ما فتئت تقتل المسلمين في كشمير.
ثم تبدأ المرحلة اللاحقة من المقاطعة ، والتي يتم فيها البحث في كل الجرائد والمجلات الصادرة في البرازيل والأرجنتين وجمهورية ليما وفي جمهورية الكونجو وزائير وجنوب أفريقيا ونيبال وجزيرة مكاو عن أي شيء يتحدث عن الإسلام والمسلمين ، ومن تثبت عليه التهمة فسوف نصب عليه مقاطعتنا وسوء المصير.
ولنغمض أعيننا تماما عن دولنا "الإسلامية" ، فليست قابلة للمقاطعة ، حتى لو خرج علينا زعيمها ليغير في كلمات القرآن فيقول أن "قل" هي لمحمد وبالتالي من يقرأ القرآن يجب أن لا يقرأ بقل ، وننسى أن جاره القديم المنقلب عليه من نائبه بعد إن وصل إلى سن الخرف ، قد منع الصيام ، وخلع الحجاب من رؤوس المسلمات ، وما خفي كان أعظم ، أم النائب السابق والزعيم الحالي ، فقد منع الصلاة في المسجد لمن هو غير مسجل أسمه فيه ، وبالتالي يجب تسجيل اسمك لدى أقرب مسجد حتى يحق لك الصلاة فيه! ولنغمض أعيننا عن مذابح المسلمين في الأوطان العربية ، فتلك جميعها لخدمة المسلمين وليست تستحق حرب المقاطعة.
نحن أشغلنا أنفسنا بما لا يستحق ، وخضنا حربا نعلم يقينا أننا الخاسرين فيها ، ولو أننا أشغلنا أنفسنا بما يستحق فعلا ما نظرنا لما يكتبه أو يرسمه رسام حقير في جريدة حقيرة لم يجد بابا للشهرة غير أن يهاجم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وبذلك تتحقق له الشهرة ويسجل أسمه في التاريخ.
ولا أعتقد أن فينا من هو محب للنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الجيل الأول من المسلمين ، الذين رافقوه وصاحبوه وناصروه ، ولكنهم تعلموا منه حكمته البالغة ، فلم يكونوا غثاء كغثاء البحر ، بل أشغلوا أنفسهم بما ينفعهم.
تأذى النبي صلى الله عليه وسلم من جاره اليهودي ، الذي كان يبعث ابنه ليلقي بالفضلات أمام باب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه زاره لما أفتقده ، ودعاه للإسلام قبل أن يموت ، ووضع له السم في طعامه صلى الله عليه وسلم من امرأة يهودية ، حتى أن بعض الرواة قد سبب وفاته بالسم الذي طعمه صلى الله عليه وسلم ، ورغم ذلك توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي! وما قرأنا في تاريخه صلى الله عليه وسلم عن مقاطعة غير تلك المقاطعة الغاشمة من قريش والتي انتهت بأكل القرضة للمعاهدة الغاشمة لمقاطعته صلى الله عليه وسلم.
ولنا فيك يا نبي الله القدوة الصالحة بإذنه تعالى ، جزاك الله عنا خير الجزاء وصلى الله عليك وسلم.
في 23 ربيع الأول 1429هـ